محو الأمية الرقمية

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة بفعل الثورة الرقمية، أصبح محو الأمية الرقمية أحد أبرز متطلبات الحياة اليومية، وليس مجرد مهارة إضافية. لقد تغيّر تعريف الأمية من كونه عدم القدرة على القراءة والكتابة، إلى العجز عن استخدام التكنولوجيا والتعامل مع الوسائط الرقمية. فالفرد الذي لا يستطيع استخدام الحاسوب او الهاتف الذكي، او لا يعرف كيفية البحث عن معلومة عبر الإنترنت، أو إجراء معاملة الكترونية، يعتبر “أمّيًا” في السياق المعاصر. ومما لا شك فيه أن هذا النوع من الأمية قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية واقتصادية، حيث إن معظم الوظائف والخدمات، والفرص التعليمية أصبحت تعتمد بشكل كبير على أدوات رقمية. من إرسال بريد إلكتروني بسيط  إلى استخدام أنظمة متقدمة في العمل أو التعليم، تتطلب كل خطوة وعيًا تقنيًا وقدرة على التفاعل مع بيئة رقمية متطورة.

تمتد أهمية محو الأمية الرقمية إلى جميع مجالات الحياة، حيث أصبحت المهارات الرقمية عاملًا حاسمًا في الحصول على فرص عمل أفضل، وفي متابعة التعليم الجامعي والدورات التدريبية عن بُعد، فضلًا عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية. فالشخص المتمكن رقميًا يستطيع التعلم الذاتي من خلال المنصات التعليمية، ويشارك في الحوارات المجتمعية على وسائل التواصل، ويعبر عن رايه، ويصل إلى خدمات صحية وإدارية بسهولة. كما أن هذه المهارات تعزز من وعي الفرد تجاه أمنه المعلوماتي، وتساعده على التمييز بين المحتوى الموثوق والمحتوى الكاذب، مما يحد من مخاطر الوقوع في شباك التضليل الإعلامي أو الجرائم الإلكترونية. لقد كشفت جائحة كورونا، على سبيل المثال، مدى أهمية محو الأمية الرقمية عندما اضطرت المدارس والجامعات والمؤسسات إلى التحول الفوري نحو التعليم والعمل عن بُعد. وفي حين تأقلم البعض بسرعة، وجد آخرون أنفسهم عاجزين عن مواكبة هذا التحول يسبب ضعف المهارات او انعدامها، ما وسّع الفجوة الرقمية بين الفئات المختلفة في المجتمع

من اجل مواجهة هذا التحدي، يجب على الحكومات والمؤسسات التعليمية والمجتمعية أن تتعامل مع محو الأمية الرقمية بوصفه أولوية نموية لا تقل أهمية عن محو الأمية التقليدية. ويبدأ ذلك من دمج التعليم الرقمي في المناهج الدراسية منذ المراحل المبكرة، مرور بتوفير برامج تدريبية مجانية أو مدعومة للكبار، وصولا إلى تطوير بنية تحتية تكنولوجية قوية تضمن وصول الجميع إلى الإنترنت عالي الجودة والأجهزة المناسبة. كما ينبغي أن تراعي هذه البرامج احتياجات الفئات المستضعفة، مثل النساء في المناطق الريفية، وكبار السن، وذوي الدخل المحدود، الذين غالبًا ما يتم تهميشهم رقميًا. إن محو الأمية الرقمية ليس فقط وسيلة للاندماج في المجتمع الرقمي، بل هو أيضًا أداة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، تفتح آفاقًا جديدة للأفراد وتساهم في بناء مجتمعات أكثر عدلًا واستدامة. المستقبل أصبح رقمياً بكل تفاصيله، ومن لا يمتلك المهارات الرقمية سيجد نفسه خارج دائرة التطور، غير قادر على التفاعل مع العالم من حوله أو الاستفادة من الفرص التي يتيحها العصر الحديث .