بريكست ترفع النجوم

بعد جدل استغرق ثلاث سنوات ونصف من الاستفتاء الذي صوَّت فيه البريطانيون بالموافقة على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي رُفِعَتْ النجوم الأوروبية وغادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بشكل قانوني يوم الجمعة تاركة العديد من الأسئلة والتكهنات بشأن هذا الخروج. لن يكون لبريطانيا كلمة في الاتحاد الأوروبي فيما بعد حيث سيرجع النواب البريطانيون لبلدهم ولكن يبقى التنقل ما بين بريطانيا وأوروبا قائماً مع التزام بريطانيا بالقواعد واللوائح الأوروبية السارية حتى نهاية العام الحالي إلا إذا تم تمديده في حزيران المقبل. ومن المتوقع أن تحدث بعض التغيرات على رسوم الرعاية الصحية للبريطانيين في أوروبا ومصروفات الدراسة للطلاب الأوروبيين والبريطانيين على حد سواء.

ومع بزوغ فجر الأول من شباط التاريخ القانوني لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين لندن وبروكسل من أجل التوصل لاتفاق تجاري ويحدد شكل العلاقة المستقبلية والشراكة بينهما فيما يتعلق بالأمن والطاقة والمواصلات وتدفق البيانات وحقوق صيد الأسماك والحدود الإيرلندية. يعتقد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن الفترة المتبقية لنهاية العام كافية وكفيلة لإبرام اتفاق تجاري يقوم على إلغاء الرسوم الجمركية والحصص. مع خروج بريطانيا هناك العديد من الملفات المعلقة والشائكة والمتعبة بتطبيق القوانين المحلية وتحديد إقامة الأوروبيين، والخدمات التي يستفيد منها المقيمون من الاتحاد. أما إذا قرّر البريطانيّون إضعاف حقوق العمّال الأوروبيّين والانتقال إلى سوق عمل أكثر إيقاعاً على نمط سوق العمل الأميركي لجهة التوظيف والطرد، فقد تعتبر بروكسل أن هذا “إغراقاً اجتماعياً” لجهة الحصول على ميّزة الكلفة المصطنعة وغير العادلة والإغراق (أي تصدير منتجات بسعر أقلّ ممّا تكون عليه في البلد المستورد). فيما يرى اقتصاديون أن بريطانيا ستكون في حل من أمرها حيال القيود الأوروبية في توقيع اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى.  ويبقى الخوف من حرب النفوذ الاقتصادية في حال عدم التوصل لاتفاق تجاري، فمن المتوقع أن تفرض أوروبا الضرائب والمزيد من الرسوم على الشركات. وقد تكون المنافسة في جذب الاستثمارات هي العنوان الأكبر مالياً ما بين الطرفين حيث من المحتمل أن تخفف بريطانيا الضرائب عن الشركات والاستثمارات بالإضافة إلى تسهيلات رجال الأعمال بغية إنعاش الاقتصاد القائم على الخدمات. وإذا ما أخفق الجانبان في التوصل لاتفاق فسيحتكمان لمعايير منظمة التجارة العالمية في العام المقبل مما سيؤدي لفرض رسوم استيراد وقيود إضافية.

إن بريطانيا تجد نفسها حرة وليست مستعدة لأن تكون متلقية للقواعد، من جهة أخرى فإن الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي في عقد اتفاقات تجارية مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة يزيد الموقف صعوبة وهذا ما تخشاه بريطانيا فعلا. أما بالنسبة للاتحاد الاوروبي فإن أي اتفاق مع قوة اقتصادية كبرى يتطلب بنود قوية تضمن التنافس النزيه والمساواة مع الأخذ بعين الاعتبار المعايير البيئية والعمالية وقواعد الدعم من الحكومات لكي لا تطرح المنتجات البريطانية في السوق الأوروبية بأسعار منخفضة وبشكل غير عادل. إن تحديد منشأ المنتجات بسبب تداخل سلاسل التوريد الصناعية عبر حدود الاتحاد الأوروبي كالأدوية والسيارات مرتبطة بالقواعد التنظيمية والضريبية. لكن المخاوف والشكوك في إيجاد اتفاق حول حقوق صيد الأسماك، فقد كان استعادة السيطرة على المياه البريطانية الغنية بالأسماك قضية لا حياد عنها لدعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي إلا أن بروكسل ربطت إتاحة الفرصة لمراكب الصيد بالدول الأعضاء بفتح أسواق الاتحاد الأوروبي أمام القطاع المالي في بريطانيا. من المتوقع التوصل لاتفاق بحلول تشرين الأول ليتسنى ترجمته لثلاثة وعشرون لغة. برأيي إذا ما سار الجانبان نحو اتفاق للتجارة الحرة فإنه يلغي كل الرسوم الجمركية والحصص، لكنه يخلق حواجز إدارية وتنظيمية جديدة كبيرة أمام التجارة في السلع والخدمات.