المخدرات الرقمية


في ظل التسارع التكنولوجي والتحول الرقمي الذي يشهده العالم، ظهرت مفاهيم وسلوكيات جديدة غريبة على مجتمعاتنا لم تكن مألوفة في السابق، من أبرزها ما يُعرف بالمخدرات الرقمية. وعلى الرغم من أنها لا تُستهلك عبر الفم أو الأنف كما هو الحال مع المخدرات التقليدية، فإن تأثيرها على الدماغ قد يكون مشابهاً في بعض الحالات، ويبقى السؤال هنا حول مخاطرها الصحية والنفسية والاجتماعيةوالأثار الاقتصادية المرتبطة بها.

المخدرات الرقمية المعروفة علمياً بـ النغمات الثنائيةأو (Binaural Beats)، هي ملفات صوتية يتم الاستماع إليها بواسطة سماعات الأذن، حيث يُرسل لكل أذن تردد صوتي مختلف بفارق بسيط. يقوم الدماغ بتفسير هذا التباين من الترددات بطريقة قد تؤثر على نشاطه العصبي وتُحدث شعوراً بالاسترخاء، أو الارتباك الذهني، أو حتى النشوة. وفي هذا السياق، تظهر ظاهرة أخرى قريبة من تأثيرات المخدرات الرقمية، وهي ما يُعرف بـ “دودة الأذن (Earworm)، أي تكرار لحن أو نغمة عالقة في الذهن باستمرار. إن دودة الأذن ليست مخدراً رقمياً بحد ذاتها، لكنها مثال على كيفية تأثير الأصوات والنغمات على الدماغ بشكل مستمر، حيث يمكن أن تبقى نغمة أو جزء من أغنية يتردد في ذهن الإنسان على مدى ساعات أو أيام. رغم أن دودة الأذن عادة ما تكون تجربة بسيطة وطبيعية، إلا أنها تبرز كيف يمكن للصوت والترددات أن تسيطر على الحالة النفسية والعقلية للإنسان، تماماً كما تفعل النغمات الثنائية في المخدرات الرقمية، لكن بشكل أكثر تعقيداً وتأثيراً.

اقتصادياً، تؤثر المخدرات الرقمية بشكل مباشر على إنتاجية الأفراد الذين يمثلون القوة العاملة المستقبلية في أي اقتصاد. فالإفراط في استخدام هذه الملفات يؤدي إلى ضعف التركيز، وتراجع في الأداء الدراسي أو المهني، مما ينعكس سلباً على كفاءة رأس المال البشري. وهو ما يُمثل استنزافا للوقت والموارد المالية وتحولاً من الإنتاجية إلى الاستهلاك غير النافع، ويصاحبه ظهور أعراض نفسية أو عصبية، يتحملها القطاع الصحي في نهاية المطاف ويلحق الضرر بالاقتصاد الوطني.

ورغم أن ظاهرة المخدرات الرقمية ما تزال محدودة الانتشار مقارنة بالمخدرات التقليدية، فإن سهولة الوصول إليها وانتشار الأجهزة الذكية بين فئات الشباب والمراهقين يجعل منها تحدياً يحمل تأثيرات اقتصادية خفية لكنها متراكمة. فهذه الظاهرة تهدد بفقدان التوازن في سوق العمل، وتقلل من جاهزية الجيل القادم للإسهام الفعّال في عملية التنمية الاقتصادية. برأيي، يجب أن ندرك أن المخدرات الرقمية ليست مجرد ظاهرة تقنية عابرة، بل هي تحدٍ متعدد الأبعاد يستوجب تدخلاً منسقاً من الحكومات والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني. وينبغي العمل على نشر التوعية لا سيما من الزاوية الاقتصادية، لأن تجاهل هذا الجانب قد يؤدي إلى خسائر لا تُقدّر بثمن على المدى الطويل، سواء في رأس المال البشري أو في موارد الدولة المالية.