المؤسسات المملوكة للدول
كان صانعو السياسات المالية يواجهون ما قبل الجائحة تحد كبير في كيفية تحقيق نمو احتوائي قوي ومستدام وغني بفرص العمل خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. لقد كان تأثير الجائحة كبيراً على المؤسسات المملوكة للدولة وذلك بسبب ضيق الحيز المالي والحاجة للتعافي والخروج من الجائحة بسلام. ومن هذا المنطلق يتعين إعادة النظر في المؤسسات المملوكة للدولة وتبنى مراجعة عامة تشمل حجمها ودورها وأدائها في خضم التحديات المستقبلية المحتملة، وذلك من أجل توسيع الحيز المالي، واكتشاف فرص النمو وتشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن إعادة تعريف الدور الاستراتيجي مع التوجه لإشراك القطاع الخاص في إدارة المؤسسات بكفاءة أعلى، وحاكمية أكثر نضوجاً والنهوض بالمركز المالي نهج ينادي به صندوق النقد الدولي ضمن أولويات لخفض التكاليف المالية العامة عبر دراسة قدمت لهذا الغرض.
وأشارت الدراسة أنه غالباً ما ينظر إلى المؤسسات العامة بافتقارها للكفاءة وضعف ترتيباتها الحوكمة أو ضعف الافصاح عن المعلومات المتعلقة بالمؤسسات غير المالية المملوكة للدولة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، حيث تقوم هذه المؤسسات بأداء سلسلة من المهام مثل الامداد بالسلع والخدمات، وتعزيز المصالح الاستراتيجية، ومعالجة أوجه عدم الكفاءة في السوق والاهداف الاجتماعية الاخرى. ولها دور في مجال واسع من الأنشطة التي غالباً ما تؤديها الشركات الخاصة وتحل محل التاجر أحياناً. ويبقى السؤال هل تساهم تلك المؤسسات فعلاُ في التنمية الاقتصادية أم تفرض عبئاً على الاقتصاد؟
إن مساهمات المؤسسات المملوكة للدولة تتخطى المساحة المقدرة لمثيلاتها في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مع وجود التفاوت عبر البلدان. وتتحمل المؤسسات المملوكة للدولة تكاليف كبيرة من أجل تعويض خسائرها التشغيلية بمتوسط 2% من إجمالي الناتج المحلي الاجمالي سنوياً. فيما تكون الأنشطة شبه المالية العامة التي تمارسها هذه المؤسسات لا يتم في كل الأحوال تعويضها أو الإفصاح عنها بشكل كامل. بالإضافة لضعف الأداء التشغيلي نظراً لاعتمادها على دعم الحكومة، وتبقى ممارسات حوكمة الشركات قاصرة عن الوفاء بالمعايير القانونية فيما يخص سياسة الملكية والتفاعلات مع الحكومة على المستوى المالي ومستوى السياسات أيضاً. ومع أن المؤسسات المملوكة للدولة لا تعمل في بيئة تنافسية مع القطاع الخاص، وتتمتع بمجموعة واسعة من سبل الحماية والمنافع التي تضعها في مركز تنافسي متقدم على القطاع الخاص قد تخلق تشوهات في السوق وتعيق الاعتماد على القطاع الخاص مع استحداث فرص عمل يحتاجها السوق. وكان لجائحة كورونا نصيب على هذه الشركات حيث تبنت الحكومات تقديم الدعم المالي غير المشروط ولفترة غير محددة مما أرهق الحكومات وشكل عبئا إضافياً في تحمل النفقات.
وفي رؤى التوصيات التي يمكن تصميمها بما يتوافق مع تطور المؤسسات ومستوى القدرات الفنية في كل بلد فإنه يتوجب على الدول أن تجد تعريفاً للمؤسسات المملوكة للدولة. وتعزيز أطر إدارة المالية العامة مع التقييم والمتابعة وإعداد التقارير لتقليل المخاطر الناشئة عن المؤسسات، ومعالجة أوجه القصور في الحوكمة. ويبقى وضع سياسة المُلكية لتعزيز مساءلة الحكومة وشفافيتها إزاء كل الوكلاء الاقتصاديين في السوق مع ضمان المنافسة العادلة. وإعادة النظر بشأن دور القطاع الخاص في إنجاز بعض المهام بصورة أفضل.
