الشركات البريطانية والقرارات الأوروبية

بعد أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بشكل قانوني لن يبقى لها كلمة في الاتحاد الأوروبي مع التزامها بالقواعد واللوائح الأوروبية السارية. لقد بدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين لندن وبروكسل من أجل التوصل لاتفاق تجاري يحدد شكل العلاقة المستقبلية والشراكة بينهما فيما يتعلق بالأمن والطاقة والمواصلات وتدفق البيانات وحقوق صيد الأسماك والحدود الإيرلندية. ومن المتوقع أن تفرض أوروبا رسوم وضرائب على الشركات البريطانية، وقد تكون المنافسة في جذب الاستثمارات هي العنوان الأكبر ماليا ما بين الطرفين.

لقد قابل الاتحاد الأوروبي طلب وزير الخزانة البريطاني ساجد جاويد بشأن ضمان وصول شركات سوق المال البريطانية إلى الأسواق المالية وإنشاء عملية تكافؤ ثابتة ونظام مستدام في قواعد الخدمات المالية بالرفض. إذ إن هذا الاقتراح البريطاني يرنو لإنشاء علاقة دائمة مع الاتحاد الأوروبي إلا أن رد كبير المفاوضين ميشال بارنيية كان واضحاً بأنه لن يكون هناك أيَّ تكافؤ عام ومستمرّ ومفتوح بلا نهاية في الخدمات المالية ويبقى للاتحاد الأوروبي مطلق الحرية في اتخاذ القرارات وليس هناك أمل للتفاوض بما يخص هذه النقطة.  تسعى الحكومة البريطانية لإنهاء مجموعة من تقييمات التكافؤ بحلول حزيران المقبل وهذا ما يوفر اتفاق واحترام متبادل للقواعد ما بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

 إلا إن كلّ طرف لن يمنح تكافؤاً إلاّ إذا اعتقد أن لوائح الطرف الآخر متوافقة مع قواعده. وبغض النظر عن القواعد الموضوعة في بروكسل إلا أن بريطانيا ترى أنه لا زال لديها الحق في الحفاظ على حريتها من حيث الاختلاف والتشريع عن تلك القواعد. إنَّ التركيز على النتائج التنظيمية مهم لكلا الطرفين حيث أن التوافق لا يعني التطابق.  لقد بين وزير الخزانة البريطاني جاويد أن بريطانيا لن تكون متلقية للقواعد بعد الآن، إلا أنها ستلتزم بأعلى المعايير الدولية في التنظيم المالي وتشكيل القوانين.

ما يدعو إلى التساؤل هل سينفرد الاتحاد الاوروبي بقرار مدى امتثال الشركات البريطانية لقوانين الاتحاد الأوروبي بما يتعلق بالتجارة في أوروبا؟ وهذا يعني أنه بناءً على توجهات الهيئات التنظيمية الأوروبية ستكون بريطانيا أقل جذباً لمركز المؤسسات المالية وتجعلها أكثر تحكماً في أسواق الاتحاد الأوروبي. إن الاقتراح المُعنون باتفاق “أكثر ديمومة” الذي قدمه الوزير جاويد يهدف لإبرام معاهدة من أجل الوصول للأسواق الأوروبية ويقدم فرصة أفضل للشركات البريطانية، مما يتيح للمؤسسات المالية والبنوك أن تتخذ من بريطانيا مقراً لها ولا يعلق عمل تلك المؤسسات أو يتعارض ذلك مع الهيئات التنظيمية والرقابية في الاتحاد الأوروبي. ونظراً لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي فإن الشركات المالية البريطانية ستكون أكثر عرضة بفقدان حقوقها في إجازات العمل التلقائية التي تسمح لها باستكمال أعمالها التجارية في القارة الأوروبية.

أما من جهة الجانب الأوروبي هناك العديد من القضايا التي ينبغي أن تكون متساوية ويتم التعهد فيما بين الطرفين والامتثال إليها مثل: فتح الأسواق وإعطاء الحق في الوصول للبيانات، وكذلك مكافآت الخدمات المالية من خلال بقاء بريطانيا مرتبطة بقوانين الاتحاد الأوروبي. ومن منظور مختلف فإن هناك مصالح لدول في الإتحاد الأوروبي مثل فرنسا باقتناصها فرصة خروج بريطانيا من أجل توسيع قطاع الخدمات المالية التي كانت قد سيطرت عليها بريطانيا منذ زمن بعيد.